إن الميقات هو النقطة الأولى للقاء مع رب العالمين، وقد ورد إن السجاد (ع) «لما أحرم واستوت به راحلته: اصفر لونه، وانتقض، ووقع عليه الرعدة، ولم يستطع أن يلبي.. فقيل له: لم لا تلبي؟.. فقال: أخشى أن يقول لي ربي: لا لبيك ولا سعديك!.. فلما لبّى غشي عليه وسقط من راحلته، فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه».. إن الملوك عادة إذا لم يحبوا اللقاء مع أحد يمنعونه من الدخول من الباب.. فرب العالمين -والله العالم- من الممكن أن يقبل حجة البعض وعمرة البعض، وعلامة القبول هي تفاعله في نقطة الميقات.. هذا الكلام عن إحرام الحج والعمرة، ولكن الإنسان يحرم كل يوم، في كل فريضة، وحاله حال المحرم في الميقات.. فالتكبيرة الأولى، تسمى تكبيرة الإحرام.. والصلاة معراج المؤمن؛ فكما أن الحج والعمرة سفرة أفقية على الأرض، فإن الصلاة سفرة عمودية إلى السماء.
فإذن، إن المؤمن الذي يريد أن يتقن صلاته اليومية، فليستولي على حدود الصلاة الأولى.. ومن المعروف أن الذي يتقن تكبيرة الإحرام، يتقن الصلاة.. إذا أراد الإنسان أن يخشع، فليسيطر على صلاته من تكبيرة الإحرام.. وتكبيرة الإحرام من أركان الصلاة، إذا نسيت التكبيرة سهوا أو عمدا؛ تعتبر الصلاة باطلة.. وتأتي هذه التكبيرة بعد ست تكبيرات مستحبة، وكأن الله -عز وجل- يريد أن يدربنا على تكبيرة الإحرام.
إن المؤمن قبل تكبيرة الإحرام، يستعد للقاء الإلهي.. ما المانع أن يطيل الوقت قبل التكبيرة؟.. إن البعض يتوقف -تقريبا- بمقدار الصلاة الواجبة، ويقول: {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.. فكما أن وجهك الظاهري إلى جهة القبلة، لماذا لا توجه قلبك الباطني إلى جهة الرب أيضا؟.. وهنيئا لمن استدر دمعة بمقدار جناح بعوضة، ثم بعد ذلك قال: الله أكبر!..
ما معنى الله أكبر؟!..
نحن نستخدم صيغة التفضيل، فنقول: فلان عمره أكبر من فلان!.. وفلان أطول من فلان!.. ولكن هل هناك أحد مقابل رب العالمين، كي نقول: بأن الله أكبر منه؟!.. حاشا أن يكون طرفا للقياس!.. فإذن أكبر من من أي شيء؟!.. الله أكبر من أن يوصف!.. إن غاية المدح أن تعجز عن مدحه!..
فيك يا أعجوبة الكون *** غــدا الفكر عليلا
كلما أقدم فكــري *** فيــك شبراً فرَّ ميلا
أنت حيــرت ذوي *** اللب وبلبلت العقـولا
تحياتي